السبت، 24 مايو 2008

جميله أنتى كالمنفى


1
عندما نجلس معاً .. في أحد المقاهي اللندنيه
كمركبتين يستريحان بعد سفر طويل .
يخطر ببالي أن أقول لك : ( أنت جميلة كالمنفى ) .
وأن عينيك تغتسلان بالمطر كشوارع المنفى ..
وأن يديك .. عصفورتا حريه ..
تطيران في سماء المنفى ..
ولكنني أشعر بأنني سوف أخرج
على نصوص العشق الكلاسيكية ، ومقدسات البلاغة القديمه .
وأخون ( عيون المها بين الرصافة والجسر .. )
وصايا كتاب ( طوق الحمامة ) .. لابن حزم الإندلسي ..

2
(( جميلة أنت .. كالمنفى )) .
أقولها بنبرة مسرحية مؤثره .
وأعرف أن صراخي بلا جدوى .
وتمثيلي بلا جدوى .
ونصوصي الدرامية بلا جدوى ..
وأعرف أن كلامي لا يخض خلية من خلايا جسدك ..
ولا يحرك ورقة واحدة في غابات أنوثتك ..
أقولها وأنا أعرف أنني أؤدي دوراً تبشيرياً
لا يليق بتاريخي ..
وأن كل الأيديولوجيات في العالم
لا تستطيع تغيير قناعات امرأة
تعيش في حالة عشق ..

3
سامجيني إذا كسرت زجاج اللغه ..
وخرجت من صندوق البديع والبيان
وثلاجة الكلمات المأثوره .
لأعلن : أنك رائعة كالمنفى ..
وشتائية .. ورماديه ..
وساطعة .. وباهره ..
وواحدة .. ومتعدده ..
وحبلى بالبروق .. والأمطار .. كأيام المنفى ..
رغم شعوري أن كلماتي
سوف تكون غريبة على أذن امرأة عربيه
تعودت على ديباجة قيس بن الملوح ..
وغزليات جميل بثينه ..
ومطولات السيدة أم كلثوم ...

4
سامحيني ..
إذا تحررت من اللياقات الشعرية قليلاً
في حواري مع النساء ..
فأنا لا أستطيع أن أزور أحاسيسي
وأقول لك كلاماً منقولاُ عن الذاكرة الجماعيه
ولا أن أراك بعيون العشاق الموتى ..
ولا أن أدخل إلى غرفة نومك ..
ومعي كل ذكور القبيلة !!.

5
كيف أعاني من عقدة الاكتئاب ؟
وأنا منفي فيك ..
وهل أجمل من أن يكون الإنسان منفياً
في داخل امرأة يحبها ؟
هل هناك مرفأ أكثر طمأنينة ..
من التمدد على رمال نهديك ؟؟..
والسكنى في تجويف يديك ..
والإبحار في مياهك الدافئه ؟؟.

6
سامحيني .. يا سيدتي
إذا هربت من عباءة العباس بن الأحنف
وشيزوفرانيا ديك الجن الحمصي .
وبراغماتية عمر بن أبي ربيعة .
وسميتك وردة المنفى ..
أو قمر المنفى ..
أو تفاحة المنفى ..
فاللغة التي نكتب بها .. أو نحب بها ..
لا تشبه لغة أهل الجنه .
ولا كلام الملائكه ..
فالوطن العربي الذي جئنا منه أنت .. وأنا .
ليس فيه مكان .. لا لإقامة القمر ..
ولا لإقامة البشر ..
ولا لإقامة الملائكه ..

نزار قبانى

ليست هناك تعليقات: